كتب عزمت علي أنّ الشرق الأوسط يقف عند مفترق طرق حاسم؛ فمن جهة يستمر الصراع التاريخي بين إسرائيل وفلسطين، ومن جهة أخرى تتصاعد حرب الظلال بين إيران وإسرائيل، التي تمتد في الخفاء وتشتدّ مع الوقت. هذان المساران ينسجان شبكة من العداء تجعل فكرة السلام بعيدة المنال، رغم أن كلا الطرفين قادر، نظريًا، على تحويل هذا الصراع إلى تعاون قد يعيد تشكيل المنطقة ويقرّبها من الاستقرار.

يشير ميدل إيست مونيتور إلى أنّ بنيامين نتنياهو منذ أوائل التسعينيات يصرّ على أنّ إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي. ففي عام 1992 حذّر الكنيست من أن طهران “ستصبح مستقلة في تطوير قنبلة نووية خلال ثلاث إلى خمس سنوات”، وكرّر الادعاء ذاته في كتابه محاربة الإرهاب. وبعد سنوات، في عام 2002، حثّ الكونجرس الأمريكي على غزو العراق بحجة امتلاكه وإيران برامج نووية، وهو غزو دمّر بلداً آمناً وأشعل موجة جديدة من العداء في المنطقة.

اليوم، وبعد أكثر من عقدين، تنفّذ إسرائيل أعنف ضرباتها الجوية في يونيو 2025، حيث قُتل نحو ألف مدني، بينما تستمر عملياتها السرّية داخل إيران منذ سنوات عبر هجمات إلكترونية واغتيالات استهدفت علماء في المجال النووي. ورغم كل ذلك، أكّد مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في مارس 2025 أنّ طهران لا تبني سلاحًا نوويًا، وأنّ المرشد الأعلى لم يُصدر أي أمر باستئناف البرنامج الذي أوقفه عام 2003.

لكن نتنياهو واصل اتهاماته في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، زاعمًا أن الإيرانيين “يعملون في الخفاء لتسليح اليورانيوم بسرعة”. وفي المقابل، صرّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل جروسي أن الوكالة “لم تجد أي دليل على تصنيع سلاح نووي في إيران”، مؤكّدًا أنّ مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة يثير القلق لكنه لا يثبت وجود مشروع تسليح.

تلك الفجوة بين ادعاءات إسرائيل ونتائج التفتيش الدولي تكشف تناقضًا جوهريًا في المشهد الإقليمي. إيران تؤكد أنّ برنامجها النووي لأغراض سلمية، وقد أعلن الرئيس مسعود بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 أن بلاده “لم تسعَ ولن تسعى لبناء قنبلة نووية”، مستندًا إلى فتوى دينية تحرّم امتلاكها ما لم يلغها المرشد الأعلى علي خامنئي.

ورغم أن الصراع بين إيران وإسرائيل يحظى باهتمام واسع، فإن الجرح الأعمق يبقى الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي الذي ينسف أي إمكانية لسلام دائم. ففي سبتمبر 2025 أعلن نتنياهو أنه “لن تكون هناك دولة فلسطينية”، بينما يواصل وزراؤه اليمينيون المتطرفون تشجيع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، رغم أن محكمة العدل الدولية أكدت في يوليو 2024 أن هذه المستوطنات تُقام “في انتهاك للقانون الدولي”.

هذا النهج يغلق أبواب التعايش ويجعل السلام مستحيلاً ما لم يتحقق أولاً في فلسطين. فإسرائيل لا يمكن أن تنعم بأمن دائم، ولا يمكن للمنطقة أن تعرف استقرارًا حقيقيًا، طالما ظلّ الاحتلال قائمًا وتجاهُل الحقوق الفلسطينية مستمرًا.

وفي الوقت نفسه، يذكّر المقال بأنّ المفارقة صارخة: إيران، العضو في معاهدة حظر الانتشار النووي، تسمح بالتفتيش الدولي وتقول إن أنشطتها سلمية؛ بينما إسرائيل، التي لم توقّع على المعاهدة، تُعد الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يُعتقد أنّها تملك ترسانة نووية، وتطالب بتفكيك البرنامج الإيراني.

ويضيف الكاتب أن سياسات التفوق والقوة تهيمن على كلا الطرفين؛ فإسرائيل تواصل الضربات الوقائية انطلاقًا من منطق “اضرب أولًا”، بينما تتبنّى إيران خطاب الردع والمواجهة، مستخدمة القضية الفلسطينية كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. طالما ظلّ هذا المنطق قائمًا، ستبقى المنطقة حبيسة دوامة الهيمنة والخوف.

عبارة “في صراع التفوق، السلام يُقتل” تلخص المشهد: إسرائيل تسعى لاحتواء إيران، وإيران تحاول كبح نفوذ إسرائيل، والفلسطينيون يُتركون عالقين بين قوتين تتصارعان على الهيمنة لا على العدالة.

ومع ذلك، تبقى الإمكانية قائمة لشرق أوسط مختلف، إذا تخلّت إسرائيل عن منطق الاحتلال وقدّمت للفلسطينيين حقوقًا حقيقية، وإذا أكدت إيران التزامها المطلق بالطابع السلمي لبرنامجها النووي. حينها فقط يمكن أن تتحول لعبة القوة إلى حوار، ويبدأ السلام المقتول في التنفّس من جديد.

https://www.middleeastmonitor.com/20251023-in-the-struggle-for-superiority-peace-was-killed/